إعــداد الكفــاءات العلميــة فــي مختلــف حقــول العلــم والمعرفــة، وإنتــاج بحـث علمـي إبداعـي يخـدم المجتمـع من خلال تقديم تعليم متميّز في بيئة جامعية مُحفزة.
قال رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عدنان بدران أن استقلالية الجامعات عن وزارات التعليم العالي في الوطن العربي يساهم في دعم الإبداع والابتكار في تلك الجامعات، ويشكلُ قاعدةَ لترسيخِ قواعدِ حريةِ التفكيرِ والتعبير، ويقود إلى اختراعات خلاقة تخرج الدول من أزماتها الاقتصادية وتقضي على البطالة.
وأشار خلال رعايته افتتاح فعاليات مؤتمر "التعليم العالي في الوطن العربي في عالم متغير"، والذي نظمته جمعية الأكاديميين الأردنيين بالتعاون مع جامعة اليرموك، إلى أن الاستثمارَ في التعليمِ يُشَكِّلُ الركيزةَ الرئيسةَ لتحقيقِ الاستقرارِ الاقتصاديُ والاجتماعيِّ والماليِّ للمجتمعِ العربي، وبناءَ الثروةِ والقضاءِ على الفقرِ والبطالةِ"، على اعتبار أن الجامعاتُ تشكلُ حاضناتِ العلوم والتكنولوجيا التي يمكن تحويلها إلى اختراعات خلاقة تخرجنا من أزمتِنا الاقتصاديةِ والاجتماعيةِ، لافتا إلى أن إنشاءَ وزاراتِ التعليمِ العاليِ وتقليصِ صلاحياتِ مجالسِ أمناءِ الجامعات، قضى على التعدديةِ والتنافسيةِ والجودةِ، الأمر الذي قاد إلى تراجع نوعيةَ وجودةَ برامجِ التعليمِ العالي والبحثِ العلميِّ، داعيا إلغاءَ وزاراتِ التعليمِ العالي في عالمنا العربي، التي أَدّتْ إلى جامعاتٍ تقليديةٍ غَلبَ عليها النمطُ الواحدُ والنسخةُ الواحدة.
ولفت بدران إلى أن مخرجات الجامعاتِ العربية لم تُسهمُ في دفعِ عجلةِ التنميةِ السياسيةِ والاقتصاديةِ والاجتماعية، بل أصبحَتْ تشكلُ عبئاً في مخرجاتِها المتمثلة في البطالةِ المتزايدةِ في صفوف الخريجين، وذلك حسب ما ورد في تقريرُ التنميةِ البشريةِ العربيةِ التابعِ للأممِ المتحدةِ الإنمائي، الذي أشار إلى ضَعْفِ الجامعاتِ العربيةِ في إنتاجِ المعرفةِ ونقلِ التكنولوجيا، وانخفاضِ الجودةِ والمواءمةِ مع احتياجاتِ التنميةِ وسوقِ العمل"، مشددا على تدني مؤشراتُ التعليمِ العاليِ في الوطن العربي، ووجود ضعفٌ واضحٌ في إنتاجِ وتوطين المعرفةِ وتقنياتِها في الجامعات العربيةِ، سواء أكانَ ذلك بمقارنةِ البحوثِ العلميةِ المنشورةِ في دورياتٍ علميةٍ محكمةٍ أو براءاتِ الاختراع، مستعرضا أسباب التراجع في جودة التعليم العالي والمتمثلة في التبعية وحرمانِ الجامعات من الاستقلالَ الأكاديميَّ والإداريَّ والمالي، وخاصةً ما يتعلقُ بأُسسِ القبولِ والأعدادِ الكبيرةِ فوقَ الطاقةِ الاستيعابيةِ العامةِ وطاقةِ التخصص، وعدمِ كفايةِ التمويل، والنقصِ في أعدادِ الهيئةِ التدريسيةِ والبحثيةِ الأكفياء، وقصورِ برامجِ البعثاتِ للخارجِ في تزويدِ الجامعات بدمٍ جديدٍ من الحداثةِ وخاصةً في العلومِ، والعلومِ التطبيقيةِ، إضافة إلى قصورِ التجسيرِ التطبيقيِّ مع جامعاتٍ أو تخصصاتٍ مرموقةٍ في الخارج.
بدوره أوضح رئيس مجلس أمناء جامعة اليرموك، رئيس جمعية الأكاديميين الأردنيين، أن عقد هذا المؤتمر جاء استجابة للنداءات المتكررة لإصلاح التعليم العام والتعليم العالي في الوطن العربي، من اجل مواكبة مستجدات العصر المتمثلة بالثورة الصناعية الرابعة، واقتصاد المعرفة وتكنولوجيا المعلومات الاتصال، وأثرها على أساليب التعليم والتعلم، وتصميم المناهج وطرق التقييم، وتفعيل دور الجامعات في خدمة المجتمع وتطوير مؤسساته العامة والخاصة، وصولا إلى التنمية المستدامة وزيادة الانتاج والانتعاش الاقتصادي، مشيرا إلى ان المتأمل في واقع جامعاتنا العربية يجد انها مكبلة وغير قادر على إحداث التغيير المنشود، نظرا لقلة الموارد وضعف التمويل للبحث العلمي، وغياب القيادات الاكاديمية القادرة على التغيير، إضافة لعدم الالتزام بمعايير الجودة وضعف المخرجات، وضعف التشبيك مع الجامعات العالمية، وغياب البيئة الجامعة المساندة للبحث والتطوير ودعم الحرية الاكاديمية، والتغيير العشوائي للسياسات التربوية.
وشدد على أن واقع الجامعات العربية يدعو إلى ضرورة وضع الاستراتيجيات والاليات والالتزام بها، وتوفير التمويل اللازم للنهوض بمدخلات وعمليات ومخرجات التعليم العالي، معربا عن أمله بأن يسهم المشاركون في هذا المؤتمر من خلال أوراقهم العلمية لتقديم توصيات تسهم في تحسين وتطوير نظم التعليم العالي في الوطن العربي.
من جانبه قال رئيس جامعة اليرموك الدكتور زيدان كفافي في كلمته إن قطاع التعليم العالي يؤدي دوراً كبيراً في إحداث التنمية الشاملة على مختلف الصعد والمجالات، وقد حقق التعليم العالي في الأردن خلال العقود الأخيرة تنوعاّ وتطوراً ملحوظاً في مجالات التعليم، ولكنه كان متذبذباً بين فترة وأخرى، نظرا لاحتكامه إلى عدد من العوامل والظروف التي أثرت على مسيرته، مشيرا إلى أن التوسع الهائل الذي شهده الأردن مؤخرا في مؤسسات التعليم العالي، يحتم على الجامعات الحكومية والخاصة التنويع في البرامج الدراسية التي تطرحها، وأنماط التعليم والتعلم التي تتبعها بما يحكم النوع والكم في مخرجات العملية التعليمية، ويمكنها من مواكبة التطورات السريعة في عملية التعليم في هذا العالم المتغير نتيجة للثورة الرقمية، داعيا إلى ضرورة إعادة النظر في الدعم المالي الحكومي لقطاع التعليم العالي في ظل الشح المالي الذي تعاني منه معظم الجامعات الأردنية، وضرورة مضاعفة الجهود من قبل صناع القرار لتذليل العقبات التي تحول بين تحقيق التوازن في انتشار التعليم العالي، وبين مستواه ومحتواه.
وأضاف أن الرؤى والمبادرات الملكية السامية التي قدمها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، حفظه الله، من خلال كتب التكليف السامي للحكومات الأردنية المتعاقبة، وأوراق النقاش خاصة الورقة السابعة، إضافة إلى إطلاق الخطة الاستراتيجية (2016 - 2025) تعد بمثابة خارطة الطريق للقائمين على التعليم العالي في الأردن، موضحا أن خارطة الطريق هذه تركز على الجودة ورفع معايير مخرجات الأبحاث العلمية وجودتها، ومستوى التدريس والتعلم، والمسائلة وتحفيز الجامعات على تحمل مسؤولياتها في تحقيق الأهداف الوطنية، والابتكار من خلال تبني أفضل وسائل التدريس والتعلم، وتوفير فرص عادلة للطلبة المتميزين، وزيادة وعي الجهات المعنية بأهمية التعليم.
ولفت كفافي إلى دور الأردن التعليمي الفاعل في المنطقة لما عرف عن نظامها التعليمي من جودة عالية جعله محط أنظار الطالبين للعلم من أبناء محيطنا العربي، بشكل خاص، والعالمي بشكل عام، الأمر الذي انعكس على ازدياد أعداد الطلبة الوافدين الذين يدرسون في الجامعات الأردنية؛ إضافة لاستقطاب المؤسسات والدوائر العربية والإقليمية لخريجي جامعاتنا الأردنية، ولكن ما نعيشه هذه الأيام من حالة عدم استقرار اجتماعي كثرت فيها الإشاعات المدمرة والتي باتت تضرب وعلى كافة المستويات بمنجزات هذا الوطن، تفقد التعليم مصداقيته بفقدان الثقة والتشكيك بقدرات القائمين عليه.
كما ألقى مندوب رئيس جامعة بريدج ووتر الأمريكية، الدكتور جبار العبيدي المدير الأكاديمي للبرامج الدولية، كلمة في الافتتاح قال فيها أن الموضوع الذي يتناوله المؤتمر هو موضوع مطروح للنقاش على المستوى الدولي، لاسيما مع التطور التكنولوجي والصناعي الهائل الذي يشهده العالم، المر الذي يفرض على الجامعات ضرورة العمل من أجل مواكبة هذه التطورات وتحديث الخطط والمناهج الدراسية بما يؤهل طلبتها لمواكبة متطلبات سوق العمل الحديث، إضافة للقيام بدورها في خدمة المجتمع المحلي وتوطين العلوم المختلفة من اجل معالجة قضايا المجتمع، والتركيز وبشكل رئيس على أهمية استمرار التعلم للأكاديميين والاداريين والطلبة على حد سواء، وتطوير مهاراتهم بما يتواءم مع التغيير المتسارع الذي يشهده العالم نتيجة للعولمة.
وأشار إلى أهمية تبادل الزيارات العلمية للطلبة وأعضاء الهيئة التدريسية بين الجامعات في مختلف أنحاء العالم، وأن تعمل الجامعات على ترجمة العمل الاكاديمي والعلمي وتحويله إلى خطط واستراتيجيات قابلة للتنفيذ على أرض الواقع بما يدعم عملية التغيير الايجابي الذي يتطلب التشارك في الاهداف المرجوة، وجمع البيانات وتحليلها وتحويلها إلى معلومات يمكن الاستفادة منها في وضع الاطار العام للسياسات الاستراتيجية للتعليم على المدى البعيد والمتوسط والحالي.
وحضر افتتاح المؤتمر نائب رئيس الجامعة للكليات الإنسانية والشؤون الإدارية الدكتور أنيس خصاونة، وعدد من رؤساء الجامعات الرسمية والخاصة الحاليين والسابقين، والعمداء والأكاديميين، والمسؤولين في الجامعة وجمعية الأكاديميين الأردنيين، وحشد من الطلبة.
وتضمن برنامج المؤتمر الذي يستمر يومين عقد ست جلسات عمل، ناقشت 22 ورقة علمية لباحثين وأكاديميين من دول الكويت، وليبيا، والسعودية، والولايات المتحدة الأمريكية، بالاضافة إلى الأردن، ناقشو خلالها عدة محاور علمية تضمنت "استراتيجيات التغيير ومقاومة التغيير في التعليم العالي"، و"التعليم الالكتروني/ التقنيات والتطبيقات"، و"دمج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في عمليات التدريس وتصميم المناهج"، و"دور الجامعات في تنمية القطاع العام والخاص"، بالإضافة إلى "القيادات الأكاديمية ودورها في إدارة التغيير"، و"التعليم والتدريب المهني"، و"الجودة في التعليم العالي"، و"تطبيقات وممارسات إدارية ناجحة".