أ.د فاديا مياس/ عميد كلية الصيدلة
"بحمد الله تمكن نشامى سلاح الجو في قواتنا المسلحة في منتصف هذه الليلة من إنزال مساعدات طبية ودوائية عاجلة جوا للمستشفى الميداني الأردني في قطاع غزة ، هذا واجبنا لمساعدة الجرحى والمصابين، الذين يعانون جراء الحرب على غزة ، سيبقى الأردن السند والداعم والأقرب للأشقاء الفلسطينيين" تغريدة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين .
نظرا للحالة المأساوية التي يعيشها أشقاؤنا في فلسطين في ظل استهداف الاحتلال الاسرائيلي لمختلف مناطق غزة، يرافقها معاناة مستمرة تشتد كل دقيقة في ظل منع الاحتلال إمدادات المياه والغذاء والدواء والوقود والكهرباء، وهنا تتجلى اللفتة الملكية من جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في حرصه الشديد ومتابعته الحثيثة، لتزويد غزة بالدواء والمستلزمات الصحية الأخرى من خلال قيام طائرات سلاح الجو الملكي باختراق الحصار الشديد المفروض على غزة، فقد جاءت تغريدة جلالته التي كتبها حول هذا تعبيرا صادقا، وترجمة حقيقية للموقف الأردني الذي يجسد أسمى المعاني الإنسانية النابعة من حس ملك هاشمي، استمد قوته ومنعته من صلابة موقف الهاشميين التاريخي في الدفاع عن الأقصى وفلسطين، ويتجسد هذا الأمر أيضا في الدور الذي بذله سمو الأمير الحسين عبدالله في إشرافه المباشر على المساعدات المتواصلة التي ترسل إلى غزة.
ويأتي هذا الأمر تخفيفا عن أخوتنا في غزة ، ففي كل لحظة تمسح عائلات بأكملها، وينزح آلاف الفلسطينيين إلى مراكز الإيواء والمدارس والمستشفيات في ظل وضع إنساني صعب، يتقاسمون فيه زجاجة الماء ورغيف الخبز الذي بات أمرا مستحيلا، بينما يعيشون أوقاتا عصيبة من القصف والحرمان من أبسط الخدمات.
ومع استمرار انقطاع الكهرباء ونفاد الوقود أصبحت جميع القطاعات مهددة بالانهيار لا سيما القطاع الصحي، مما يشكل حكماً بالإعدام على الجرحى والمرضى، وتسببت قلة مياه الشرب وعدم توافر مستلزمات العناية الشخصية، وتدهور أجزاء من منظومة الصرف الصحي إلى انتشار الأمراض السارية بشكل ينذر بكارثة صحية، وخصوصاً بتشديد الحصار على الماء والدواء.
وقد أعلنت وزارة الصحة انهيار المنظومة الصحية بسبب النقص الحاد في الإمدادات الطبية، ومنع إيصالها ونفاد مخزون المستلزمات الصحية والأدوية، حيث لا تستطيع المستشفيات استقبال أي مرضى أو جرحى، بسبب عدم توفر الإمكانات والأسرّة، مما أدى إلى استخدام أرضيات المستشفى وساحاتها، لدرجة أن العمليات الجراحية تجرى على ضوء الهواتف المحمولة وبدون تخدير مُشكّلةً حالة مأساوية لا يمكن لعقل بشري أن يتخيلها.
أما الكوادر الطبية والصحية التي ترفع لها القبعات فإنها لم تتوقف للحظة عن تقديم خدماتها رغم الضغط النفسي والجسدي، ونقص الإمكانيات مما أدى إلى اتباع أسلوب المفاضلة في العلاج نتيجة الوضع الكارثي. لذلك دعت وزارة الصحة الكوادر المتقاعدة للالتحاق بالعمل فوراً، بسبب نقص الكوادر وازدياد أعداد الجرحى والمرضى وخصوصاً مع صعوبة وصول الكوادر لمناطق العلاج بسبب القصف الذي دمر الطرق.
ان جرائم العدوان الغاشم المتواصلة بما فيها استهداف المستشفى المعمداني هي انتهاك صارخ للقانون الدولي والإنساني ولكل القيم والمواثيق الاخلاقية ولا يمكن السكوت عنها.
لقد ارتقى أكثر من 65 شهيدا من الكوادر الطبية وتضررت أكثر من 36 مستشفى في غزة وتوقفت 15 مستشفى عن العمل، بسبب نفاد الوقود وعدم الأمان بسبب القصف المتكرر، كما أن انقطاع التيار الكهربائي والوقود يهدد بفساد الأدوية والمطاعيم وتعطل الأجهزة الطبية،إذ يحتاج آلاف المرضى إلى رعاية صحية منقذة للحياة، فمنهم من يحتاج إلى غسيل كلى، ومنهم من يحتاج إلى علاج أمراض السرطان المتقدم، أو إلى الأنسولين لمرضى السكري، ويوجد أكثر من 50.000 امرأة حامل تواجه صعوبة للوصول للرعاية الصحية.
وانطلاقاً من موقف سيد البلاد جلالة الملك عبد الله الحازم والداعم للقضية الفلسطينية وأهمية وقف العدوان على غزة وإدخال المساعدات الإنسانية والطبية العاجلة إلى غزة تسارع الكثيرون من أبناء البلد لتقديم الإغاثة والتبرعات والمستلزمات الصحية والأدوية إلى قطاع غزة. فقد أرسلت بتوجيهات ملكية طائرات إغاثة إلى غزة، كما أطلقت لجان عليا وزكاة للإعمار في فلسطين ومناصرة الشعب الفلسطيني، بينما أطلقت نقابة الصيادلة حملة تبرعات "طوفان الأقصى دواء وشفاء" تضامناً مع أهل غزة لجمع تبرعات عينية ونقدية تشمل مستلزمات طبية أولية ودوائية لدعم القطاع الصحي، وجاءت الحملة تلبية للتوجيهات الملكية بمد يد العون للأشقاء بالتنسيق مع الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية.
ولقد تطوع أكثر من (850) طبيبا أردنيا من تلقاء نفسهم لعلاج الجرحى والمرضى في غزة رغم القصف وهم بانتظار إيجاد ممرات آمنة لدخولهم لقطاع غزة.
إن ما يحصل في غزة هو جريمة بشعة بحق الأبرياء تستدعي من المنظمات والهيئات العالمية والمجتمع الدولي وحقوق الإنسان، لتحمل مسؤولياتهم لوقف العدوان الإسرائيلي الذي يبدو أنه فوق القانون الدولي، وفتح ممرات آمنة وإدخال المساعدات الطبية بشكل عاجل.
ندعو الله أن يحمي فلسطين وأهلها.