إشكالية المؤتمر وأهدافه

تشهد الدراسات الأدبية والنقدية واللسانية المعاصرة، سواءٌ في أدواتها المنهجية أم فيما أضافته النظريات المعرفية المتجددة، تحولات تحملها على تجديد آلياتها القرائية، ومناهجها النقدية، مثلما تشهد الدراسات اللسانية تحوُّلات أخرى تقفز بها قفزاتٍ نوعيةً لعلَّ من أبرزها التحولات إلى النظرية العرفانية ، بما يتيح للباحثين فرصة توسيع مجالات القراءة والتلقي والانفتاح على إمكانات قرائية جديدة، تتغيَّا التفاعل التام بين الدراسات الأدبية والدراسات اللسانية إنْ في تحليل النص الأدبي أو في نقد الخطاب.

وإذا كانت المناهج النقدية قد تجاوبت مع كل التحولات المعرفية بدءاً بالعلوم الإنسانية وأهمها الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع، وعلوم اللسان، فراكَمت من خبراتها، ووسعت من مقارباتها، فإن اللسانيات الحديثة قد وسَّعت من فضاءاتها بالتحول من الاهتمام بالبنى التوليدية إلى الاهتمام بالدلالة والتوجه نحو العرفانية التي أغنت القراءات النقدية بمنجزاتها وحوّلت مسار الدراسات الأدبية واللسانية في مستوياتها المتعددة: مستوى البنية التصويرية، ونظرية الأفضية الذهنية، ولامركزية التركيب بدلًا من مركزيته التي كانت عليها اللسانيات التوليدية التحويلية في مراحلها الأولى. وهذا التحول يفضي إلى القول بتجدد القراءات النقدية وفق مستجدات نظريات المعرفة، أو على مستوى التحول إلى العرفانية، التي تضيف للمشتغلين بالدرس النقدي واللغوي آليات تنمِّي الفعل القرائي والتحليلي، وتفتح الآفاق على تأويلات جديدة لم تعهدها في فترة المناهج النصية التي كان جل اهتمامها ينصب على الجماليات وحسب.

من هنا فإن الدراسات الأدبية والنقدية واللسانية المعاصرة تواجه تحدياً معرفيًّا/إبستمولوجيًّا، وآخر عرفانيًّا يفرض نفسه على المشهد البحثي، ويحملها على تطوير أدواتها، وتجديد معارفها، لتلحق بتلك التطورات والرؤى متجاوزة الفكر الأرسطي القديم، والنزعة السلوكية إلى مقاربة اشتغال الذهن والذكاء الاصطناعي والسعي نحو تضافر الاختصاصات.

إن مراجعة حصيفة لتلك المشاريع النقدية، سواءٌ على مستوى نقد الأدب: شعرًا ونثرًا، أو النقد اللساني، هي إعادة تقييم لتموضعها في سدة المعرفة، وذلك يشكل مدخلًا لتطوير البحث العلمي وتقدمه، ويوفِّر نقاشاتٍ فكريةً وفلسفيةً وتربويةً يمكن الإفادة منها؛ آية ذلك أن الأرضية المعرفية لتحليل الخطاب ليست اللسانيات وحسب، وإنما أيضا نظريات المعرفة في ضوء ما نشهده من تطور النظريات المعرفية التي رافقت ما بعد ةالحداث في مجال الدرس الأدبي والنقدي واللساني ، وما تبعه من توظيف المعرفة بشكل يتناسب وحقل الدراسات الأدبية والنقدية واللسانية، فضلا عن أن علاقة المعرفة لم تتوقف عند النقد الأدبي أو علم النفس أو علم الاجتماع بل تجاوزتها إلى اللسانيات العرفانية التي ابتعدت عن اللسانيات العامة من حيث التوظيف الذي يتجاوز حصر اللغة في المتعلقات والصيغ النحوية، إلى دوائر أكثر رحابة واتساعًا، وقد استوعبت الدراسات الأدبية والنقدية واللسانية تطور نظريات المعرفة والعرفانية، وقامت بتذويبها في حقولها؛ فغيرت من مجريات ممارساتها التطبيقية متنقلة من فعل المعرفة ذي البعد الإنساني والوجودي، إلى كل ما له علاقة بالمعرفة ببعدها الشمولي لترسم خرائط جديدة للإبداع النقدي الفردي والجمعي.